حماية الممتلكات الثقافية في أثناء النزاعات المسلحة على الصعيد الوطني

يمثل التراث الثقافي الغني أهمية كبيرة لكل دولة، حيث يعزز الهوية الوطنية والثقافية، كما أن له قيمة دولية، إذ يسهم في تعزيز تقدير التنوع الثقافي وفهم المجتمع البشري وماضينا، وتعدّ الحروب والنزاعات المسلحة من أكبر التهديدات التي تواجه هذا التراث، وعلى الرغم من ذلك لم تُسن قوانين دولية محددة لحمايته إلا في الآونة الأخيرة؛ فمن الواضح أن هناك العديد من المناطق في العالم التي تعاني من عدم الاستقرار، ومن المؤكد أن الصراعات البشرية والأعمال العسكرية ستستمر، وأن الممتلكات الثقافية تمثل جزءًا من تراث البشرية، ويجب ألا تتعرض للهجوم المتعمد لكونها رمزًا للقوة، كما ينبغي تجنب الخسائر العرضية التي يمكن تفاديها، وإن تدمير هذه الممتلكات في النزاعات المسلحة ليس أمرًا حتميًّا، شريطة أن يتم تطبيق النظام القانوني الدولي لحمايتها بشكل فعال.
ومنذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح موضوع حماية الممتلكات الثقافية يحظى باهتمام متزايد، خاصة بعد استخدامها والتلاعب بها وتدميرها في النزاعات في يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات، بالإضافة إلى استهدافها في الصراعات التي شهدتها أفغانستان والعراق منذ بداية القرن، كما ظهرت ظاهرة التطرف التي تمثلها جماعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، وبرغم هذا الاهتمام المتزايد، لم يتم إعطاء أي اهتمام تقريبًا لحماية الممتلكات الثقافية في أثناء التخطيط السياسي أو العسكري لغزو العراق عام 2003م من قبل التحالف الذي قادته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وعندما تم التواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أوائل عام 2003م بشأن حماية بعض أقدم الممتلكات الثقافية في العراق، كان ردها أنها تركز على حماية الأفراد ولا ترغب في إدخال أي تعقيدات من خلال العمل أيضًا على حماية الممتلكات الثقافية.
وهناك شكلان من الحماية العامة يجب أن تتخذ عندما يتقرر وضع الحماية على الممتلكات الثقافية وتتمثل هذه الأشكال بالتالي:
أ‌-    الوقاية: يقصد بها تلك التدابير الإيجابية التي يجب على الدولة القيام بها لأجل سلامة الممتلكات الثقافية، وهذه التدابير هي ضرورية قبل قيام أي نزاع مسلح لاحتمالية وقوع الضرر عليها في أثناء النزاع، ولضمان هذا الإجراء هناك اتفاقيات تلتزم بها الدول قبل النزاع المسلح من أجل وقاية الممتلكات الثقافية من وقوع الضرر عليها.
وتقع مسؤولية الوقاية على الدولة التي توجد في أراضيها الممتلكات الثقافية والآثار التأريخية، وعليها اتخاذ الإجراءات كافة الكفيلة لوقاية هذه الممتلكات في أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وتشمل التدابير التحضيرية التي تتخذ وقت السلم لصون الممتلكات الثقافية والآثار غير المتوقعة لنزاع مسلح، عملًا بالمادة (3) من الاتفاقية حسب الاقتضاء ما يلي:
•  إعداد قوائم حصر.
• التخطيط لتدابير الطوارئ للحماية من الحرائق أو انهيار المباني.
• الاستعداد لنقل الممتلكات الثقافية المنقولة أو توفير الحماية لتلك الممتلكات في موقعها.
• تُعَيِّنُ السلطات المختصة المسؤولة عن صون الممتلكات أفرادًا أكفاء لحماية الممتلكات.
• نشر أحكام حماية الممتلكات الثقافية وتعليمات المحافظة عليها، في مناهج التعليم المدني والعسكري على حد سواء.
• إعداد نسخ إضافية من المخطوطات والمحفوظات والكتب والمؤلفات، التي تعدّ ممتلكات ثقافية ذات أهمية أدبية أو علمية أو فنية، من خلال نسخ هذه المحفوظات بحيث إذا ما لحق التلف أو التخريب بواحدة من هذه المحفوظات بقيت الأخرى.
ب- الاحترام: هو تعهد الأطراف السامية الموقعة على الاتفاقية، باحترام الممتلكات الثقافية والتدابير التي قامت بها الدولة التي تقع فيها الممتلكات الثقافية في أثناء النزاع المسلح لتحقيق هذا الغرض، وتتكون هذه التعهدات من جزأين، نصت عليهما المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي لعام (1954م)، ووضحت فيها أن التعهدات هي تعهدات رئيسة وتكميلية.
وتعرف الأعيان الثقافية بأنها "كل أنواع المنقولات والعقارات التي تمثل أهمية للتراث الثقافي لشعب ما، مثل الجامعات، والمتاحف، ودور العبادة، والأضرحة الدينية، والأنصبة التذكارية، ومواقع الآثار، وأماكن حفظ الأعمال الفنية والكتب والمخطوطات وما إلى ذلك"؛ وكذلك تعرف بأنها " كل أعمال الإنسان المنسوبة إلى نشاطه الإبداعي في الحاضر والماضي فنيًّا وعلميًّا وتربويًّا والتي لها أهمية من أجل تفسير ثقافة الماضي ومن أجل تطويرها حاضرًا ومستقبلًا"؛ أو هي " كل ما أنشأه الإنسان مما هو ثابت بطبيعته وكل ما أنتجه بيده أو بفكره والبقايا التي خلفها ولها علاقة بالتراث الإنساني ويرجع عهدها إلى أكثر من مئة عام، إضافة إلى بقايا السلالات"؛ أو هي "النصب الهندسية المهمة والأعمال الفنية والكتب والوثائق ذات الأهمية الفنية أو التاريخية والمتاحف والمكتبات الكبيرة، والأرشيف والمواقع الأثرية والمباني التاريخية".
 

يشارك