مبادئ القانون الدولي الإنساني بين الميزة العسكرية وجريمة الحرب
يتألف القانون الدولي الإنساني من مجموعة مبادئ وقواعد تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وحماية المدنيين والأعيان المدنية وأيضًا حماية المقاتل الذي ألقى السلاح، ويهدف أيضًا القانون الدولي الإنساني إلى تقييد وسائل وأساليب القتال.
وإن كان القانون الدولي الإنساني لا يمنع الحرب، لكنه يسعى جاهدًا للحد من آثارها، وذلك حرصًا على مقتضيات الإنسانية التي لا يمكن تجاهلها بسبب الضرورات العسكرية، وقد صيغت مبادئ القانون الدولي الإنساني لأول مرة عام 1966م، وذلك على أساس اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م.
إن مبادئ القانون الدولي الإنساني حصيلة توازن بين مفهومين متناقضين ومتعارضين: (الإنسانية والضرورات العسكرية)، وهذه المبادئ منبثقة بشكل أو بآخر من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، وإذا تكلمنا عن مبادئ القانون الدولي الإنساني فنقصد المبادئ التي تحكم سير العمليات العسكرية وهي: ومبدأ الإنسانية، ومبدأ التناسب، مبدأ الضرورة العسكرية، ومبدأ التمييز، وسنستعرضها بإيجاز:
مبدأ الإنسانية:
يقصد بهذا المبدأ حماية الإنسان في جميع الأحوال، بما في ذلك وقت النزاعات المسلحة. ولا يمكن الحديث عن القانون الدولي الإنساني دون الرجوع والتطرق لمبدأ الإنسانية. ويعد هذا المبدأ من المبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني، ويؤدي دورًا رئيسًا في احترام الإنسان وحمايته في أثناء النزاعات المسلحة، وتكمن أهميته من الناحية القانونية في إلزامية الأخذ به وتطبيقه حتى في الحالات التي لا تعالجها الاتفاقيات الدولية، أو عند النزاعات المسلحة التي يكون أحد الأطراف أو جميعهم غير موقعين على الاتفاقيات، ولذلك ومن أجل مقتضيات الإنسانية يحظر على الأطراف المتحاربة استهداف الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات العسكرية، وكذلك الأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال، وكل ذلك انطلاقًا من مبدأ الإنسانية. ويهدف مبدأ الإنسانية إلى تجنب أعمال القسوة والوحشية في القتال؛ فالإنسانية تفرض أن يفضل الأسر والاعتقال على الإصابة والجرح، وأن تفضل الإصابة والجرح على القتل.
مبدأ التناسب:
هو إضعاف القدرات العسكرية للخصم بأقل ضرر ممكن، بما في ذلك استعمال أقل قدر ممكن من الأسلحة التدميرية، وهذا يتطلب حسن إدارة القدرات العسكرية، وبناء المقدرات الإستراتيجية والتكتيكية بما يكفل إضعاف قدرات الخصم العسكرية، من دون استعمال مفرط للقوة العسكرية، أو إلحاق أية أضرار بالمدنيين والأعيان المدنية، كما تكمن أهمية مبدأ التناسب في إلزام أطراف النزاع باتخاذ التدابير والاحتياطات كافة اللازمة عند التخطيط والتنفيذ لأي عملية عسكرية، كما أنه يفرض قيودًا على أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال والأسلحة، بحيث يتم تحقيق الميزة العسكرية بطريقة مشروعة، مع توفير كامل الحماية للمدنيين والأعيان المدنية، وعدم الإفراط في استخدام القوة.
ويحظر مبدأ التناسب الهجمات على الأهداف العسكرية المشروعة التي قد تؤدي إلى الإضرار بالمدنيين والأعيان المدنية، وتكون هذه الأضرار (أعلى وأكثر) من الميزة العسكرية المرجو تحقيقها من تلك الهجمات، وبالتالي فإن كل إفراط في استخدام القوة العسكرية يحظره مبدأ التناسب، فهذا المبدأ يحقق التوازن بين الميزة العسكرية والأضرار الجانبية.
مبدأ الضرورة العسكرية:
مفهوم قانوني يستعمل في القانون الدولي الإنساني جزءًا من التسويغ القانوني للهجمات على أهداف عسكرية مشروعة، قد تكون لها آثار في المدنيين والأعيان المدنية، وتعرف أيضًا بأنها الحالة التي تكون ملحة لدرجة أنها لا تترك وقتًا كافيًا للأطراف المتحاربة لاختيار الوسائل المستخدمة في عملياتها، وهي أيضًا الأحوال التي تظهر في أثناء الحرب، وتفرض حال قيامها ارتكاب أفعال معينة على وجه السرعة بسبب موقف معين أو ظروف استثنائية في اللحظة نفسها.
والضرورة العسكرية مقيدة بشروط أبرزها:
1/ارتباط الضرورة العسكرية بسير العمليات العسكرية.
2/ طبيعة الضرورة العسكرية مؤقتة وغير دائمة.
3/ أن تكون الأسلحة المستخدمة في الضرورة العسكرية غير محظورة.
4/ ألا يوجد أي طريقة أو خيار آخر لتحقيق الميزة العسكرية إلا بتلك العملية أو هذا الاستهداف.
مبدأ التمييز:
ينبثق هذا المبدأ من العرف الدولي، وقد تمت صياغته وإدراجه في اتفاقيات جنيف تأكيدًا على أهميته سواء في النزاع المسلح الدولي، أو النزاع المسلح غير الدولي. ويقوم هذا المبدأ على أساس التمييز بين المقاتلين والمدنيين، فلا توجه الهجمات إلا على المقاتلين فقط، وكذلك على أساس التمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، فلا توجه الهجمات إلا على الأهداف العسكرية فقط، وتبين ذلك المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول: (تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية).
مما سبق ذكره عن مبادئ القانون الدولي الإنساني، وما لها من أهمية بالغة في عدم تجاوزها، لأهمية تلك المبادئ في حماية المدنيين والأعيان المدنية وكذلك تقييد أساليب ووسائل القتال، وتكمن أيضًا أهمية الالتزام بعدم انتهاك مبادئ القانون الدولي الإنساني في إبعاد القائد والمسؤول والمقاتل عن أي مسؤولية قانونية جنائية قد تنشأ عليه بسبب انتهاك أحد هذه المبادئ، والتي قد ترقى إلى جريمة حرب، وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك في تحميل الدولة مسؤوليات دولية بسبب انتهاك أحد أفرادها مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني.